الأحد، 5 نوفمبر 2017

كم يتبقى من عمر السيسي ؟


كم يتبقى من عمر السيسي؟

الاكتشاف المبكر للسرطان السيساوي، يمثل أهم عوامل الشفاء، لأن الزمن له دور مهم في وقف انتشار المرض داخل الخلايا المخدوعة


يتصرف السيسي كما لو أنه سيحكم أبداً، وتبدو نتائج قرراته وتصرفاته كما لو أنه سيسقط غداً، وبين الاحتمالين المتطرفين تدور التكهنات وتتبلور الصراعات وتنتعش بورصة التخمينات، لكن المنطق والوقائع المتصاعدة في الفترة الأخيرة ترجح أن نهاية السيسي بسكتة مفاجئة، وليس بمرض سياسي طويل، وأعتقد أن الفريق الداعم، بل السيسي نفسه، من أهم العوامل التي تساعد على التعجيل بهذه النهاية الدرامية المفاجئة، لأنهم يتعمدون عدم قراءة مؤشرات الخطر في نظام حكم الرجل الذي خدع الجميع، حتى وصل إلى خداع نفسه، وصدق رؤيا السيف والساعة الأوميغا وعشق ترمب لجزمته الحلوة!.
من يطالع تقرير مجلة "فوربس" الذي يطالب إدارة ترمب بالتخلي عن دعم السيسي، لن يجد فيه معلومة قاطعة منسوبة إلى مسؤول أمريكي بارز، ولن يجد تاريخا محددا لتدخل أمريكي ضد نظام القمع في مصر، لكنه سيجد خيطا من التشابه بين أمنيات المعارضين المصريين، وبين اتجاه التفكير في عدد من المؤسسات الأمريكية المشاركة في صناعة القرار، وفي صناعة الرأي العام الأمريكي، وهي تشابهات كافية جدا لإثبات اتجاه مشترك يقول بوضوح أن استمرار السيسي في الحكم ليس مقبولا ولا مطلوباً، وبالتالي يصبح السؤال: متى وكيف يمكن الإطاحة به؟

هذا السؤال العملي جدا، لا ينبغي الإجابة عليه بنزوات المراهقين الذين يجهلون لعبة الشطرنج السياسي، فيتصورون أن موت الملك يمكن أن يحدث بدون تحريك القطع اللازمة، وتصنيع وضع يؤدي إلى هذه "الموتة"، فالأمر ليس بالقدرة على نزع الملك من الرقعة، لكن وضعه في "خانة الموت الفعلي" حتى لو بقى واقفا على الرقعة، ومن هنا فإن تحليل الموقف، ومدى تعرضه لحالة "كش ملك" تصبح إشارات مهمة عن قوة أو ضعف الوضع الذي أصبح عليه الملك، ولهذا يجب ألا نهمل المؤشرات التي تكشف عن هشاشة وضع السيسي على الرقعة، ولا يجب أن ننخدع باللغة الفارغة التي تسعى لإثبات قوته وتفوقه في التمكين لحكمه، لأن أربع سنوات من التمكين لن تكون محصلتها بأي حال أكثر من حصيلة السنوات الثلاثين التي سعى فيها مبارك لتمكين عرشه الذي سقط في أيام. فالسيسي يبدو منذ البداية أنه يكسب بالضعف والخداع، وليس بالقوة والمواجهة، أي أن قوته (مثل أي فيروس) تكمن في قدرته على التخفي وإيهام الخلايا السليمة أنه منها ويعمل لصالحها، وعندما تقبل به وتحتويه، يبدأ في وضع شيفراته الخبيثة ليسيطر ويتحكم، لكن هذه اللحظة نفسها لا تعني انتصاره النهائي، بقدر ما تعني بداية المواجهة النابعة من وعي جديد، يتمحور بالأساس على فكرة اكتشاف الخدعة
هذا الاكتشاف المبكر للسرطان السيساوي، يمثل أهم عوامل الشفاء، لأن الزمن له دور مهم في وقف انتشار المرض داخل الخلايا المخدوعة، وانتباهها إلى ضرورة المواجهة الوقاومة للفيروس الخبيث، ولذلك فإن تعجل السيسي في الانتقال من التسلل الناعم وشيفرات "نور عينينا" إلى النهش المباشر (انتو هتاكلوا مصر!) قد ساعد على انكشاف حقيقة الفيروس، وحتى لو أدى هذا الكشف إلى حالة من الصدمة والارتباك، إلا أن ذلك الاهتزاز النفسي لن يستمر طويلا، وعاجلا أو آجلا لابد من الذهاب إلى مرحلة العلاج ومواجهة المرض.

هذا عن العامل الشعبي في الداخل، حيث تؤكد المؤشرات أن قطاعات كبيرة اكتشفت الفيروس، فهل يجوز لنا أن نطبق هذا الفهم على نظرة الخارج للسيسي؟ بالطبع لا، لأن الخارج لايعنيه خطر الفيروس السيساوي على مصر، بل يهتم بتوظيف هذا الفيروس لتحقيق مصالح ومباديء تسعد الناخب الأمريكي والغربي، أو بمعاقبة ذلك الفيروس والحد من خطورته، إذا كان لذلك تأثير سلبي على علاقة الإدارات الغربية بناخبيها ومواطنيها.

 
وإذا تتبعنا هذه الإشارات، فسوف نكتشف أن مؤشر العلاقة مع إدارة بوتين التي هلل لها إعلام السيسي بعد لقاء سوتشي وجاكت النجمة الشيوعية الحمراء، انتهت إلى أزمة تقترب من الحصار الاقتصادي ووقف رحلات الطيران لأجل غير مسمى، واستخدام روسي للسيسي من طرف واحد، كما أن العلاقة مع الحليف الإيطالي القوي انتهت إلى أزمة في الضمير الشعبي وتحفظ مؤسساتي معلن بعد فضيحة مقتل ريجيني الذي تحتمل الكثير من المخاطر والمفاجآت في المستقبل، وكذلك الفتور الذي انتهت إليه العلاقة مع الصين والتي حاول إعلام الكذب (الأبوهشيمي) أن يقدم للناس دعوة مصر على هامش اجتماع دول "بريكس الخمس" باعتباره تقدير صيني لمكانة مصر، بينما تمت دعوة رئيسها ضمن دول السوق لتتمكن الدول الأعضاء (البرازيل/الهند/ روسيا/جنوب أفريقيا/ والصين) من فتح أسواق جديدة في دول استهلاكية تعصر مواطنيها لتشتري أي شيء تقربا من أنظمة الدول الكبيرة!


وهذه الإشارات تعيدنا إلى دلالة تقرير فوربس، وما سبقه من مداولات في الكونغرس، وداخل مراكز بحثية شبه رسمية في امريكا، ومعظمها يرفع صوته ليقول بوضوح ان دعم الإدارة الأمريكية لنظام السيسي بات أمراً كريها ويؤثر سلبيا على صورة كل من يتعاون معه، لانتهاكه الحريات بشكل فاضح، واستخدامه التشريعات ضد حقوق الإنسان، لكن هذا الكلام اللطيف لا يمكن أن يخفي حقيقة نعرفها، ويعرفها الكثيرون في الخارج ايضا، وهي أن الخارج يتعامل مع حكام العالم الثالث بنظرية صحية تشبه استخدام المناديل الورقية (استخدم وارم في الزبالة) فقد تم دعم السيسي لتمرير حزمة طلبات صعبة تتعلق بترتيب المنطقة، وقد تغابى الرجل المشتاق، فتعجل بتنفيذ المطلوب منه بسرعة، حتى اتسخ وتشبعت الفوطة بالقاذروات، وأصبح من المنطقي والحتمي أن يتم التخلص من هذه "الفوطة" لاستخدامات أخرى لا تثير الحساسيات والمنغصات في الداخل وفي الخارج، وأظن أن مؤشر خصم المعونة العسكرية، وتصاعد لغة المؤسسات الغربية في الحديث ضد النظام المصري، وتراجع أصوات العباسيين المطالبين بتعديل الدستور، ليست إلا مقدمة لتهيئة الأجواء لإلقاء الفوطة في الزبالة، وأعتقد أن مسألة تهيئة الأجواء داخليا من أخطر العوامل التي تساعد في التخلص من "النظام المستعمل"، فهل ننتبه؟




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عدد الزوار